هل تراجعت إيطاليا عن صفقات الغاز الطبيعي الموقّعة مع الجزائر؟
خلال معرض ومؤتمر "غازتك" (Gastech) في سبتمبر/أيلول الفائت، أعلنت شركة "إديسون" (Edison) الإيطالية، توقيع عقد جديد مع شركة "شل" (Shell)، لشراء 700 ألف طن سنويًا من الغاز الطبيعي الأميركي المسال بدءًا من عام 2028، في مقابل تقليص وارداتها الحالية من الجزائر وليبيا، على الرغم من التكلفة المرتفعة للغاز الأميركي مقارنة بنظيريه الجزائري والليبي.
إثر ذلك، تداول مستخدمون على مواقع التواصل الاجتماعي ادعاء مفاده أن إيطاليا، التي يربطها أنبوب غاز بالجزائر، ألغت اتفاقية الغاز مع الجزائر وتخلّت عن استيراد الغاز الجزائري بسبب أزمة ثقة وانعدام الاستقرار.
يتحرى مسبار في هذا المقال صدق الادعاء المتداول، عبر استعراض سياق القرار الذي اتخذته شركة إديسون وخلفياته المحتملة.
حجم واردات "إديسون" من الجزائر
تستورد شركة إديسون عبر إيطاليا نحو 14 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويًا، ويعادل ذلك 23 في المئة من الطلب الوطني. ولا تُصدّر الجزائر من تلك الحصة إلّا مليار متر مكعب سنويًا، فيما تستورد بقية الكمية من قطر (6.4 مليارات متر مكعب)، ليبيا (4.4 مليارات متر مكعب)، والولايات المتحدة (1.4 مليار متر مكعب).
يعني ذلك أن الجزائر لم تكن من ضمن أكبر الشركاء الاقتصاديين لشركة إديسون، كما لم تكن إديسون من بين أكبر مستوردي الغاز الجزائري، ذلك أن حصة مليار متر مكعب التي تستوردها الشركة من الجزائر سنويًا، أقل بـ27 مرة من حصة شركة "إيني" (Eni) الإيطالية، التي تستورد نحو 27 مليار متر مكعب من الغاز الجزائري سنويًا.
لذلك، لا يؤثر قرار إديسون فعليًا على مكانة الغاز الجزائري في السوق الإيطالية، كما لا يعني تقليص حجم الشراكة مع إديسون انهيار العلاقات مع إيطاليا في مجال الطاقة.
شركة "إيني" ترفع وارداتها من الجزائر
في مقابل تقليص إديسون شراكتها مع الجزائر، تستعد شركة إيني للطاقة لاستثمار نحو 24 مليار يورو (26.24 مليار دولار) في الجزائر وليبيا ومصر على مدار السنوات الأربع المقبلة، للمساعدة في زيادة إنتاج الطاقة في إطار ما يُعرف باسم "خطة ماتي".
وتُعد شركة "إيني" من كبار المستثمرين الأجانب في قطاع الطاقة في شمال أفريقيا، وقد صرّح رئيسها التنفيذي كلاوديو ديسكالزي، في إبريل/نيسان الفائت، أنها ستستثمر خلال السنوات الأربع المقبلة أكثر من ثمانية مليارات يورو في كلّ من الجزائر وليبيا.

ووُقّع بالفعل اتفاق رسمي بين الشركة الوطنية الجزائرية للمحروقات "سوناطراك" (Sonatrach) و"إيني" في الجزائر، على إنجاز مشروع "زمول الكبر"، الواقع في حوض بركين شرقي حاسي مسعود، والذي تُقدَّر قيمته بـ1.35 مليار دولار.
ودفعت شركة "إيني" نحو 1.22 مليار دولار للجزائر خلال عام 2024، في إطار مدفوعات الشركة للحكومات التي تدير مشاريعًا على أراضيها.
إلى جانب ذلك، تُعد الجزائر ثاني أكبر مستفيد من مدفوعات شركة "إيني" في قارة أفريقيا، التي تتقاسم دولها 61 في المئة من إجمالي مدفوعات الشركة للحكومات في عام 2024.

الصفقة مع الولايات المتحدة الأميركية جزء من خطة أوروبية أوسع
يُشير الادعاء إلى خطوة "إديسون" بوصفها قرارًا عدائيًا ضد الجزائر ونابعًا من أزمة استقرار وثقة، في حين أوضحت الشركة أن قرارها يأتي ضمن استراتيجية لتنويع مصادر الطاقة وضمان الأمن الطاقي.
وقال الرئيس التنفيذي للشركة خلال مؤتمر "غازتك" في سبتمبر، إن إديسون تخطط لاستبدال جزء من كميات الغاز الواردة عبر خطوط الأنابيب بالغاز الطبيعي المسال (LNG)، وذلك لزيادة المرونة في إدارة الطلب.
وأضاف أن هذا النهج سيساعد الشركة على التكيّف مع اتجاهات الاستهلاك غير المؤكدة في إيطاليا وأوروبا، مثل إعادة بيع الشحنات في أسواق أخرى عندما يكون الطلب منخفضًا.
من جهة أخرى، ذكر الخبير الجزائري في شؤون الطاقة بغداد مندوش، في تصريح للعربي الجديد، بأن قرار "إديسون" قد يكون استجابة للاتفاق الأميركي الأوروبي بشأن رفع مشتريات الغاز الأميركي.
وأشار الخبير إلى أن الخطوة قد تندرج ضمن إطار توزيع الحصص على الدول الأوروبية للغاز الواجب شراؤه من الولايات المتحدة، بموجب الاتفاق الأخير مع إدارة ترامب.

ويلزم الاتفاق شركات الطاقة في دول الاتحاد الأوروبي بشراء ما قيمته 250 مليار دولار من النفط والغاز الطبيعي الأميركي والتقنيات النووية الأميركية سنويًا، خلال السنوات الثلاث المقبلة. لذلك فمن المرجّح أن يكون قرار إديسون خطوة نحو تنفيذ بنود الاتفاق، وليس بالضرورة تحولًا عدائيًا في علاقتها مع الجزائر، خاصة أنها لم تتخلَّ عن الغاز الجزائري كليًّا.

"إديسون" لم تتوقّف عن استيراد الغاز الجزائري نهائيًا
يشير الاتفاق الموقع بين "إديسون" و"شل" إلى أن عمليات التسليم ستبدأ في عام 2028، ويتزامن ذلك مع انتهاء صلاحية العقود التي تستورد بموجبها إديسون الغاز عبر الأنابيب من ليبيا والجزائر.
وفي هذا الصدد، أوضح المدير التنفيذي نيكولا مونتي أنه "من المحتمل أن نجدد العقدين معًا، ولكن ليس بالكميات نفسها"، مُشيرًا أيضًا إلى أن الإمدادات الجزائرية بدورها مرهونة بطرائق تجديد اتفاقيات العبور عبر تونس، التي تنتهي صلاحيتها عام 2029. ويتضح من ذلك أن الشركة لا تستبعد إمكانية استئناف شراكتها مع ليبيا والجزائر بعد عام 2028، وأنها لا تنوي إلغاء شراكتها معها بشكل كلي ونهائي.
شركة "إديسون" ليست إيطالية بالكامل
على الرغم من أن "إديسون" (Edison S.p.A) شركة إيطالية مقرها في ميلانو، إلا أنها تتبع بالكامل لمجموعة الكهرباء الفرنسية "EDF"، ما يجعلها قابلة للتأثر بالعلاقات السياسية بين الجزائر وفرنسا.
ويفتح ذلك المجال أمام قراءة سياسية تتجاوز البعد الاقتصادي البحت. فالعلاقات الجزائرية الفرنسية تشهد أزمة دبلوماسية غير مسبوقة انعكست على التبادلات الاقتصادية، وأدت إلى تراجع واردات الجزائر من فرنسا، وغادرت بسببها شركات فرنسية عدة السوق الجزائرية. ما يطرح تساؤلات بشأن احتمال كون موقف "إديسون" ردّ فعل آخر على هذه التوترات.
وفي حوار مع صحيفة الشروق الجزائرية، أشار الخبير الإيطالي والباحث في شؤون الطاقة والقضايا الجيوسياسية، فرانتشيسكو ساسي، إلى أن خلفيات القرار قد لا تكون بعيدة تمامًا عن الأزمة بين الجزائر وباريس، ما يفتح الباب أمام فرضية استعمال "إديسون" كأداة في الصراع السياسي بين البلدين، لكنه أكد في الوقت نفسه أن شركة بحجم "إديسون" لا يمكنها أن تضع نفسها رهينة لحسابات سياسية صِرفة.

اقرأ/ي أيضًا
المشاهد لحريق في مبنى إداري وليس في جامع الجزائر
الفيديو ليس لإغلاق الجزائر حدودها مع تونس بعد أنباء فرار مسؤول عسكري سابق
























