دعاية إسرائيلية جديدة.. كيف حاولت إسرائيل التنصل من مسؤوليتها عن فقدان أبو فول بصره في سجونها؟
في أواخر ديسمبر/كانون الأول الفائت، اعتقل الجيش الإسرائيلي الشاب محمود أبو فول في مستشفى كمال عدوان شمالي غزة. وبعد الإفراج عنه، مؤخرًا، أظهرت لقطات موثّقة أن التعذيب داخل السجون الإسرائيلية أفقده بصره. ورغم ذلك، اتهمت حسابات مروجة للدعاية الإسرائيلية محمود بتزييف إصابته، في محاولة للتنصل من مسؤولية الاحتلال عن تعذيبه.
أسير فلسطيني سابق يفقد بصره تحت التعذيب الإسرائيلي
اعتقلت القوات الإسرائيلية محمود أبو فول (28 عامًا) من داخل مستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا أواخر ديسمبر الفائت، واحتجزته في السجون الإسرائيلية حيث تعرّض للضرب والتعذيب الشديدين حتى فقد بصره. وقد أفرج عنه الأسبوع الفائت بموجب اتفاق وقف إطلاق النار الذي شمل إطلاق سراح نحو 2000 معتقل فلسطيني.
وكان أبو فول، الذي فقد ساقه في غارة إسرائيلية عام 2015، قد روى لقناة الجزيرة أنه تعرّض لتعذيب متواصل داخل معتقل سدي تيمان، المعروف لدى الأسرى السابقين باسم "السجن الذي يحطّم الرجال".

وأشار إلى حادثة ضرب فيها السجّانون رأسه بعنف حتى فقد الوعي. وقال: "عندما استيقظت، لم أعد قادرًا على الرؤية".
دعاية إسرائيلية تزعم أن صورة محمود وهو فاقد لبصره مفبركة
بعد الإفراج عن "أبو فول"، تداولت حسابات داعمة لإسرائيل على مواقع التواصل الاجتماعي، صورة ادعت أنها تُظهره مبصرًا بعد خروجه من السجن، بهدف التشكيك في إصابته وصرف الأنظار عن مسؤولية الاحتلال، والترويج لرواية مفادها أن الفلسطينيين يختلقون الإصابات.
استغل مروجو الدعاية الإسرائيلية لقطات التقطها المصوّر الصحفي أسامة كحلوت بعد الإفراج عن محمود، ظهر فيها وهو يروي ما تعرّض له من تعذيب، وتم تعديلها بحيث تُظهر محمود بعينين سليمتين، مع الادعاء بأنها الصورة الحقيقية قبل التلاعب.
وأرفق حساب يصف نفسه بأنه "حام لمنصة إكس من الأخبار الزائفة" الصورة بتعليق: "كاذب وتستمر بالكذب. 1. لقد زوّرتم عينيه في الصورة. 2. تم اعتقاله وكانت لديه إصابة في الساق. الإعلام لا يغطي هذا لأنه هراء".

أعادت حسابات داعمة لإسرائيل نشر الصورة رفقة تعليقات تتضمن اتهامات بالكذب من قبيل "أحب طريقة كذبكم"و"أكاذيب"، فيما اتهم البعض الصحفيين الذين نشروا الفيديو الأصلي بأنهم "مدفوعون من جهات خارجية".

كما عزز نموذج الذكاء الاصطناعي التابع لمنصة إكس "غروك"، الادعاء الزائف نفسه، عندما سأله أحد المستخدمين حول صحة أي الصورتين ليجيب بأن الصورة التي تُظهر محمود فاقدًا للبصر "مفبركة"، إذ قال: "الصورة غير المعدلة هي الأصلية والتي لا دليل فيها على اقتلاع أو ثقب للعينين. المزاعم حول هذا النوع من التعذيب تفتقر إلى مصادر موثوقة، والصورة المعدّلة تتماشى مع نمط الدعاية البصرية في النزاعات".

تقارير توثّق قصة أبو فول بعد الإفراج عنه
في مقابلة مع وكالة الأناضول، وصف محمود أبو فول تفاصيل اعتقاله وتعذيبه، حيث كان داخل مستشفى كمال عدوان يتلقى العلاج ولم يكن قادرًا على الحركة. إذ قال: “كنت أتلقى العلاج أثناء المداهمة ولم أستطع الانتقال من مكان لآخر". وأوضح أن محدودية حركته تعود إلى بتر ساقه اليسرى في قصف عام 2015، وأنه لم يحصل منذ ذلك الحين على طرف صناعي ويحتاج إلى دعم جسدي دائم.
وروى أبو فول أن المحققين الإسرائيليين انهالوا عليه بالضرب والإهانة والشتائم وقت اعتقاله، رغم إعاقته. وأضاف أنه كان يتعرض لضربات متواصلة على الرأس من الأمام والخلف، إحداها أطاحت به أرضًا وتسببت بفقدانه البصر بعد أن دخل في غيبوبة لمدة ساعتين. وقال: “عندما استيقظت، أدركت أنني فقدت بصري تمامًا. كان ذلك من أشد ما مررت به من ألم جسدي ونفسي”.

وبثت قناة الجزيرة الإنجليزية تقريرًا مصورًا يتحدث فيه أبو فول عن إصابته بالسجن، وتظهر اللقطات القريبة من وجهه انطفاء عينيه.

فيما نشرت قناة Channel 4 البريطانية، تقريرًا مماثلًا عرض صورًا قبل اعتقاله وبعد الإفراج عنه تُظهر فقدانه الكامل للبصر، مؤكدة أنها طلبت تعليقًا من جيش الاحتلال دون تلقي أي رد.
ودعا محمود في مختلف مقابلاته المؤسسات الدولية لمساعدته على مغادرة غزة لتلقي العلاج واستعادة بصره وتركيب طرف صناعي.
وبناءً على الأدلة المرئية التي وثقتها وسائل الإعلام، خلص فريق "مسبار" إلى أن الصورة التي روّجتها الحسابات الداعمة لإسرائيل مفبركة.
شهادات أخرى عن التعذيب في السجون الإسرائيلية
نشرت صحيفة ذا غارديان، شهادات لعدد من الأسرى المحررين تحدثوا فيها عن التعذيب والمعاملة اللاإنسانية في السجون الإسرائيلية، إذ روى نسيم الرداعي أن السجانين قدموا له ما وصفوه بـ"هدية الوداع" قبل الإفراج عنه، حين كبلوا يديه وطرحوه أرضًا وانهالوا عليه ضربًا. واعتُقل الرداعي في 9 ديسمبر 2023 من مدرسة تحوّلت إلى مأوى للنازحين، دون توجيه أي تهمة إليه، مثل الكثير من المحتجزين الآخرين.
كما روى الأسير المحرر محمد العسّالية (22 عامًا)، وهو طالب جامعي، أنه اعتُقل في 20 ديسمبر 2023 وتعرض لتعذيب مشابه في سجن نفحة، وأصيب بالجرب نتيجة الإهمال والظروف غير الصحية. ووصف قسمًا يعرف باسم “الديسكو”، وهو أحد أكثر أساليب التعذيب قسوة، حيث يُجبر فيه المعتقلون على سماع موسيقى صاخبة لساعات طويلة، وهم معلقون في ظروف قاسية مثل البرد القارس، إلى جانب رشهم بالفلفل الحار.
وبحسب اللجنة العامة لمناهضة التعذيب في إسرائيل (PCATI)، لا يزال نحو 2800 فلسطيني من غزة رهن الاعتقال في السجون الإسرائيلية دون توجيه تهم لهم.
اقرأ/ي أيضًا
حسابات إسرائيلية تشكّك في معاناة الأسرى الفلسطينيين المحررين


















