"محمد خير الشرع".. انتحال، خداع، وصلة مزعومة بالرئيس السوري
في المشهد السوري، برزت مؤخرًا شخصية وهمية تُدعى "الدكتور محمد خير الشرع"، استخدمتْ عبر فيسبوك صورة طبيب مصري متوفى واسمًا مزيفًا للإيحاء بارتباطها بعائلة الرئيس السوري أحمد الشرع، مستعينة بأدوات الذكاء الاصطناعي لتضليل المستخدمين.
يستعرض هذا المقال كيف نجحت الشخصية المنتحلة في خداع الجمهور، ويقدم عرضًا لأنواع انتحال الهوية، إضافة إلى مراجعة تقنيات الكشف عن الشخصيات الوهمية.
كيف خدعت شخصية "الدكتور محمد خير الشرع" متابعيها؟
نشر شاب من محافظة درعا يدعى قتيبة الشرع، يوم الاثنين 27 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، مقطع فيديو أوضح فيه أن عددًا من الأشخاص أنشؤوا حسابات وهمية يدّعون فيها انتماءهم لعائلة الشرع، وبدؤوا بالتواصل مع أفراد العائلة بهدف جمع معلومات دقيقة عنها. من بين تلك الحسابات حساب يحمل اسم "الدكتور محمد خير الشرع"، الذي انتحل شخصية طبيب مصري يدعى ماهر هارون رياض.

في مستهل التحقق، أجرى "مسبار" تحليلًا لحساب "الدكتور محمد خير الشرع"، وتبيّن أن أول منشور نُشر على الحساب بتاريخ 24 يونيو/حزيران الفائت، ما يشير إلى أنه أنُشئ حديثًا.
بعد فحص الصورة الشخصية التي استخدمها الحساب، عبر ثلاث أدوات متخصصة في كشف التزييف العميق، أظهرت النتائج أن الصورة معدلة باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، بنسبة ترجيح تراوحت بين 64 و99,6 بالمئة.
عقب ذلك، أجرى "مسبار" بحثًا عن اسم الطبيب المصري ماهر هارون رياض، الذي استُخدمت صورته لتوليد صورة أخرى عبر الذكاء الاصطناعي في الحساب الوهمي، ليتبيّن أنه طبيب أسنان ومؤسس عيادة دجلة دينتال كلينك، وأنه توفي في نوفمبر/تشرين الثاني 2022.
بعد تحميل الصورة المستخدمة في الحساب الوهمي وتحليل ملامح الوجه فيها ومقارنتها بصورتين للطبيب المصري، تبيّن وجود تطابق كامل بينهما. كما أظهرت أداة "Face Comparing" المتخصصة في مقارنة الوجوه، أن احتمال التطابق مرتفع للغاية، ما يرجّح بقوة أن الصورتين تعودان لشخص واحد بالفعل.
تبنّى الحساب الوهمي أسلوب شخصية تدّعي القرب من عائلة الشرع، فنشر صورة تجمعه بـحسين الشرع، والد الرئيس أحمد الشرع. غير أن البحث عن مصدر الصورة لم يُسفر عن أي نتائج، فيما أظهرت أدوات فحص الصور المعتمدة على الذكاء الاصطناعي أن الصورة غير حقيقية بنسبة تراوحت بين 59 و89 بالمئة.
نال الحساب مزيدًا من الصدقية بعد تصريحات حسين الشرع في مقابلة مع التلفزيون العربي في أغسطس/آب الفائت، حين أشار إلى أن الدكتور محمد خير الشرع أثار جدلًا بعدما تحدث عن أصول عائلة الرئيس، قائلًا إنها تعود إلى الجولان المحتل أو إلى محافظة درعا.
وأضاف والد الرئيس في المقابلة المصوّرة أن الطبيب الشرع كان يقيم منذ فترة طويلة في دبي، وعاد إلى دمشق قبل أيام قليلة.
ولم يتمكن "مسبار" من التحقق مما إذا كان المقصود به هو شخصية أخرى، أم أنه تعرض للخداع من قبل الشخصية الوهمية نفسها.
إلا أن حسابًا يُنسب إلى حسين الشرع علّق على منشور قتيبة الشرع الذي أشار فيه إلى وجود حسابات وهمية تنتحل اسم العائلة، من بينها الحساب المرتبط بالطبيب المذكور سابقًا. وأوضح حسين في تعليقه أنه اكتشف زيف الطبيب منذ أن بدأ بجمع أسماء الأقارب، مؤكدًا أنه لم يتواصل معه مطلقًا.
قبل ساعات من نشر قتيبة الشرع الفيديو الذي أوضح فيه أن محمد خير الشرع انتحل اسم العائلة لتحقيق مصالح شخصية، كان الأخير قد نشر منشورًا أعلن فيه أنه سيكون الأخير بسبب تدهور حالته الصحية، مؤكدًا أن "الرئيس ومن حوله يعملون لما فيه خير البلاد".
وبعد وقت قصير من نشر قتيبة الشرع للفيديو، أُغلق حساب محمد خير الشرع وأصبح غير متاح.
محتوى حساب "د. محمد خير الشرع"
منذ إنشائه للحساب الوهمي، دأب الشرع على خلط الأوراق وإرباك الجمهور، فتارة زعم أنه كان في دمشق وشاهدًا على ضعف الخبرة لدى الأمن العام، وتارةً أخرى وجّه انتقادات للحكومة، وفي أحيان أخرى حاول الظهور بمظهر الداعم لها أو القريب من دوائرها، مدعيًا أنه تلقى اتصالات من فواز الأخرس والد أسماء الأسد، زوجة رئيس النظام المخلوع بشار الأسد.
الخداع الرقمي
ينقسم الخداع في وسائل التواصل الاجتماعي إلى نوعين رئيسين: الأول خداع المحتوى ويتمثل في التلاعب بمحتوى الوسائط الاجتماعية، عبر تعديل الصور أو نشر الرسائل المزعجة أو مشاركة الروابط الضارة.
غالبًا ما يُرصد هذا النوع من الخداع في المنصات التي تعتمد على المحتوى المفتوح مثل المدونات ومواقع التواصل الاجتماعي.
أما النوع الثاني فهو خداع الهوية ويشمل التلاعب بمعلومات هوية المستخدم، أو انتحال شخصية شخص آخر بهدف خداع الآخرين على المنصة.
يُتاح نجاح هذا النوع من الخداع عادة عند غياب آليات فعالة للتحقق من هوية المستخدمين ومعلوماتهم الشخصية.
خداع الهوية في مواقع التواصل الاجتماعي
تشير دراسة استقصائية صادرة عن مكتبة جمعية الحوسبة الأميركية عام 2021، إلى أنه يمكن تصنيف هجمات خداع الهوية في وسائل التواصل الاجتماعي إلى ثلاث فئات رئيسية، تشمل الملفات المزيفة، انتحال الهوية، إضافة إلى استنساخ الهوية.
الملف المزيف هو حساب يُنشأ باستخدام بيانات هوية غير حقيقية بغرض خداع مستخدمين آخرين أو تنفيذ أنشطة ضارة. ويُعدّ هذا النوع من أكثر أشكال الخداع انتشارًا في منصات التواصل الاجتماعي.
ووفقًا لتقديرات منصة فيسبوك لعام 2019، يتراوح عدد الحسابات المزيفة بين 5 و6٪ من إجمالي الحسابات النشطة. كما أفاد تقرير إحصائي عام 2020، أن فيسبوك حذفت نحو 1.7 مليار حساب مزيف خلال الربع الأول من ذلك العام وحده.
تُنشأ الحسابات المزيفة، بحسب الدراسة، لأغراض متعددة من أبرزها إرسال الرسائل غير المرغوب فيها، ونشر الأخبار المضللة والمعلومات الكاذبة، مراقبة المستخدمين وجمع بياناتهم الشخصية، أو تنفيذ عمليات احتيال مالي أو هجمات هندسة اجتماعية تستهدف المستخدمين.
الفئة الثانية، هي انتحال أو سرقة الهوية، يحدث ذلك عندما يستغل المهاجم معلومات حقيقية تخص مستخدمًا آخر مثل الاسم أو الصور أو بيانات الاتصال لإنشاء حساب جديد أو للاستيلاء على حساب الضحية القائم.
غالبًا ما تُستَخدم بيانات متاحة على الإنترنت أو تُستَحصل عبر خروقات أمنية أو هجمات تصيّد، بهدف ارتكاب أنشطة غير قانونية باسم الضحية، أو خداع جهات الاتصال والاعتماد عليها والحصول على معلومات أو أموال من الآخرين عن طريق الانتحال.
أما الفئة الثالثة فهي استنساخ الهوية، ويتم ذلك من خلال إنشاء ملف شخصي مزيف باستخدام معلومات هوية مسروقة، بوجه خاص، يقوم المهاجم بتقليد بيانات حساب الضحية لجمع المعلومات الشخصية لأصدقاء الضحية. إضافة إلى ذلك، يسعى المهاجم إلى تعزيز مستوى الثقة مع أصدقاء الضحية تمهيدًا لعمليات احتيال مستقبلية، وفق دراسة استقصائية صدرت عن مكتبة جمعية الحوسبة الأميركية عام 2021.
يمكن تصنيف هجمات استنساخ الهوية إلى نوعين الأول هو استنساخ الهوية داخل المنصة، حيث يُنشئ المهاجم حساب مزيف مطابق لحساب الضحية على نفس منصة التواصل الاجتماعي، يبدأ باستغلال المعلومات العامة المتاحة عن الضحية على منصات التواصل الاجتماعي، مثل الاسم والمهنة والموقع الجغرافي وقائمة الأصدقاء، ثم ينشئ حسابًا يحمل نفس البيانات والمظهر تقريبًا.
بعد ذلك، يقوم بإرسال طلبات صداقة إلى أصدقاء الضحية، وبمجرد أن يقبل بعضهم تلك الطلبات، يتمكن من الوصول إلى حساباتهم ومعلوماتهم الشخصية.
أما النوع الثاني فهو استنساخ الهوية عبر المنصات، ويُقصد به أن ينسخ المهاجم ملف تعريف الضحية من إحدى منصات التواصل الاجتماعي إلى منصات أخرى لم يسجل فيها الضحية بعد.
ويبدأ بعد ذلك بجمع المعلومات الشخصية العامة للضحية، مثل الاسم والمهنة والموقع الجغرافي وقائمة الأصدقاء ليستخدمها في إنشاء حساب مزيف يبدو وكأنه تابع للشخص نفسه على منصة مختلفة.
تقنيات كشف انتحال الهوية
تركز تقنيات كشف انتحال الهوية في وسائل التواصل الاجتماعي على التمييز بين الحسابات الحقيقية وتلك المزيفة التي تحاول تقليد هوية مستخدمين آخرين. وتنقسم هذه التقنيات إلى فئتين رئيسيتين:
الأولى تعتمد على تحليل ملف المستخدم، فتقارن بيانات الملفات الشخصية مثل الاسم والصورة وقائمة الأصدقاء والمحتوى المنشور لاكتشاف أوجه التشابه المشبوهة.
وتستند بعض المنهجيات إلى تحليل الملف الشخصي للمستخدم الحقيقي، ثم البحث عن حسابات مشابهة عبر الشبكات المختلفة، ومقارنة درجة التشابه بينها لتحديد ما إذا كان أحدها ينتحل هوية المستخدم.
أما الفئة الثانية فتركز على تحليل العلاقات الشبكية وسلوك التفاعل بين المستخدمين.
وتستخدم هذه الأساليب خوارزميات التعلم الآلي لاكتشاف الحسابات التي تُظهر أنماط تفاعل أو اتصالات متشابهة بشكل مفرط، مما قد يدل على وجود انتحال أو تنسيق بين حسابات مزيفة.
وتُظهر الدراسة أن أغلب الأبحاث ركزت على منصات مثل تويتر وفيسبوك، بينما لم تُختبر هذه التقنيات بشكل كافٍ في بيئات متعددة المنصات أو في سياقات واقعية.
كما تشير إلى أن الأساليب المعتمدة على تحليل الشبكات الاجتماعية أكثر دقة، في حين أن الأساليب القائمة على تحليل الملف الشخصي أسهل في التطبيق لكنها أقل موثوقية أمام أساليب الانتحال المتقدمة.
اقرأ/ي أيضًا
أعلن الشرع أن سوريا تسعى للعودة إليه.. ما تفاصيل اتفاق 1974 مع إسرائيل؟
هل شطبت الولايات المتحدة اسم أحمد الشرع من قائمة الإرهاب الأميركية؟
























