تقرير جديد للأمم المتحدة: تورط أكثر من 60 دولة في الإبادة الإسرائيلية لغزة
كشف تقرير جديد صادر عن الأمم المتحدة تورط أكثر من 60 دولة في الإبادة الجماعية التي نفذها الاحتلال الإسرائيلي في غزة، من خلال استمرار التعاون التجاري والعسكري والدبلوماسي معها، في انتهاك واضح للقانون الدولي.

التقرير بعنوان "إبادة غزة: جريمة جماعية"، وقد قدمته المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، فرانشيسكا ألبانيزي، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. وخلص التقرير إلى أن تدمير غزة يشكل "جريمة دولية جماعية" يغذيها تواطؤ الدول التي زودت إسرائيل بالسلاح والمعلومات الاستخباراتية والدعم الدبلوماسي والشراكات الاقتصادية، رغم تراكم الأدلة على ارتكابها جريمة إبادة.
وجاء في نص التقرير "إن الإبادة الجماعية المستمرة في غزة هي جريمة جماعية، يغذيها تواطؤ الدول النافذة التي مكنت إسرائيل من انتهاك القانون الدولي بشكل منهجي وطويل الأمد". ويحذر التقرير من أن السلام والأمن الدوليين يقفان الآن على حافة الانهيار، بين انهيار القانون الدولي أو إمكانية تجديده.
الإبادة في غزة مستحيلة دون التواطؤ الدولي
وجد التقرير أن الاحتلال الإسرائيلي لم يكن ليتمكن من مواصلة عدوانه الواسع والممتد على غزة لولا الدعم الذي تلقاه من دول غربية عدة، عبر المساعدات العسكرية والتجارة والتعاون السياسي. وصنف التقرير هذا الدعم في أربع فئات رئيسية: عسكرية، واقتصادية، وإنسانية، ودبلوماسية.
وأشار إلى أن الولايات المتحدة وأوروبا تشكلان غالبية الدول المتورطة، موضحًا أن ألبانيزي تعتزم تقديم التقرير من جنوب إفريقيا، التي ورد ذكرها أيضًا باعتبارها إحدى الدول التي توفر الفحم لإسرائيل، إلى جانب عدد من الدول العربية التي أخفقت في اتخاذ إجراءات حاسمة لوقف الإبادة.
غياب التحرك الحاسم من الدول العربية
رغم أن الدول العربية والإسلامية أعربت عن دعمها للقضية الفلسطينية، فإن التقرير ينتقد غياب الخطوات الفعلية، مشيرًا إلى أن بعض الدول الإقليمية سهلت مرور الشحنات إلى الاحتلال الإسرائيلي عبر طرق برية تتجاوز البحر الأحمر، في حين واصلت مصر علاقاتها مع إسرائيل، بما في ذلك التعاون في مجال الطاقة وإغلاق معبر رفح.
كما أشار التقرير إلى أن الإمارات ومصر والأردن والمغرب زادت من حجم تجارتها مع إسرائيل خلال فترة الإبادة. أما تركيا، فرغم إدراجها ضمن الدول السبع التي خفّضت علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، فإن ألبانيزي قالت إن تحركاتها لم ترقَ إلى مستوى خطابها السياسي، مستشهدة ببيانات تجارية تشير إلى استمرار شحنات النفط من الموانئ التركية إلى إسرائيل عبر وسطاء، رغم إعلان أنقرة تعليق التجارة رسميًا في مايو/أيار 2024.

دعم عسكري غير مشروط
قالت ألبانيزي إن إسرائيل تعتمد بشكل مفرط على الواردات العسكرية، وحددت الولايات المتحدة وألمانيا وإيطاليا كأكبر مزوديها بالسلاح أثناء الإبادة.
من جهتها، تقدم الولايات المتحدة لإسرائيل تمويلًا عسكريًا سنويًا قدره 3.3 مليارات دولار، إضافة إلى 500 مليون دولار سنويًا للدفاع الصاروخي حتى عام 2028، فضلاً عن مئات الشحنات من الذخائر والأسلحة والمعدات العسكرية.
ولفت التقرير إلى الدور الرئيسي للمملكة المتحدة في التعاون العسكري مع إسرائيل، موضحًا أن أكثر من 600 طلعة استطلاع نُفذت فوق غزة من قواعدها في قبرص، ما يشير إلى مشاركة مباشرة في تدمير القطاع.
كما ذكر التقرير أن 26 دولة أرسلت ما لا يقل عن عشرة شحنات من الأسلحة والذخائر، من بينها الصين والهند وإيطاليا والنمسا وإسبانيا والتشيك ورومانيا وفرنسا.
وأشار أيضًا إلى أن 19 دولة، بينها 17 دولة صادقت على معاهدة تجارة الأسلحة، شاركت في تزويد برنامج الطائرة "إف-35" الهجومية الشبحية بمكونات أساسية استُخدمت في الهجمات على غزة، وتشمل هذه الدول: أستراليا، وبلجيكا، وكندا، والتشيك، والدنمارك، وفنلندا، وألمانيا، واليونان، وإيطاليا، واليابان، وهولندا، والنرويج، وبولندا، وكوريا الجنوبية، ورومانيا، وسنغافورة، وسويسرا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة.
وأوضح التقرير أن بعض الدول تتحايل على بنود المعاهدة باستخدام تصنيفات "أسلحة دفاعية" أو "غير فتاكة" لتبرير تعاملها مع إسرائيل، بينما سمحت أخرى مثل إيطاليا وهولندا وفرنسا والمغرب بمرور شحنات الأسلحة عبر موانئها ومطاراتها، في انتهاك صريح للاتفاقيات الدولية.
كما أشار إلى أن بعض الدول استمرت في شراء الأسلحة والتقنيات العسكرية الإسرائيلية، التي "اختُبرت على الفلسطينيين تحت الاحتلال"، بحسب التقرير.
وذكر أن صادرات إسرائيل العسكرية إلى الاتحاد الأوروبي تضاعفت خلال حرب غزة لتشكل 54٪، من إجمالي الصادرات العسكرية عام 2024، بينما بلغت الصادرات إلى آسيا والمحيط الهادئ والدول العربية الموقعة على اتفاقات أبراهام 23٪ و12٪ على التوالي.
كما أشار التقرير إلى أن برامج الأبحاث الأوروبية موّلت بمليارات الدولارات مؤسسات إسرائيليةـ تنتج تقنيات ذات تطبيقات عسكرية مباشرة.
من اقتصاد الاحتلال إلى اقتصاد الإبادة
أكد التقرير أن استمرار العلاقات التجارية الطبيعية مع إسرائيل يمنح شرعية للنظام القائم على الفصل العنصري ويغذيه اقتصاديًا.
ورغم أن نسبة التجارة الدولية لإسرائيل انخفضت من 61٪ من الناتج المحلي الإجمالي عام 2022 إلى 54٪ عام 2024، إلا أن الاتحاد الأوروبي، أكبر شركائها التجاريين، حافظ على ثلث إجمالي تجارتها خلال العامين الفائتين.
وأشار إلى أنه رغم الإبادة المستمرة، ارتفع حجم التجارة مع إسرائيل في 2024، مع زيادات في ألمانيا (+836 مليون دولار)، بولندا (+237 مليون)، اليونان (+186 مليون)، وكذلك في الإمارات (+237 مليون)، ومصر (+199 مليون).
تعليق المساعدات الإنسانية
قالت ألبانيزي إن غالبية الفلسطينيين في غزة كانوا يعتمدون على المساعدات الإنسانية قبل هجمات السابع من أكتوبر 2023، وكانت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، تمثل العمود الفقري لتلك المساعدات.
وأوضحت أن اتهامات إسرائيلية للأونروا بالمشاركة في هجمات حماس، دون أدلة، دفعت 18 دولة إلى تعليق تمويلها فورًا، دون أي تحقيق مستقل. وحتى بعد عدم ثبوت تلك المزاعم، استغرق الأمر شهورًا لاستئناف التمويل، بينما حظرت الولايات المتحدة دعم الأونروا بقانون جديد.
كما أشارت إلى أن الكنيست الإسرائيلي حظر عمل الأونروا رسميًا، ولم يتخذ سوى عدد محدود من الدول خطوات قانونية في محكمة العدل الدولية اعتراضًا على القرار.
وانتقد التقرير دولًا مثل كندا والمملكة المتحدة وبلجيكا والدنمارك والأردن لاعتمادها عمليات إسقاط المساعدات من الجو، واصفًا هذه الخطوات بأنها "رمزية وخطيرة وغير فعالة".
دعم دبلوماسي يمنح الغطاء للعدوان
أكدت المقررة الخاصة أن قرارات مجلس الأمن الدولي الداعية إلى وقف إطلاق النار تم تعطيلها أو إفراغها من مضمونها، في حين بُرّر العدوان الإسرائيلي بوصفه "دفاعًا مشروعًا عن النفس".
وأضافت أن الولايات المتحدة استخدمت حق النقض (الفيتو) سبع مرات ضد مشاريع قرارات لوقف إطلاق النار، ما وفر غطاءً دبلوماسيًا لإسرائيل خلال الإبادة.

كما اتهمت دولاً غربية بالتقاعس عن تنفيذ أوامر الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بحق بنيامين نتنياهو ومسؤولين إسرائيليين آخرين.
الإبادة بوصفها امتدادًا استعماريًا
جاء التقرير في ظل تصاعد الأدلة القانونية على ارتكاب إسرائيل جريمة الإبادة الجماعية في غزة. فمنذ أكتوبر 2023، حذّر خبراء أمميون ومنظمات حقوقية ومحاكم دولية من أن الحصار والقصف والتهجير القسري للفلسطينيين يحقق تعريف الإبادة وفق القانون الدولي.
وخَلُصت ألبانيزي إلى أن الاحتلال الإسرائيلي طويل الأمد، الذي تطوّر الآن إلى إبادة كاملة، لم يكن ليستمر دون دعم خارجي، ووصفت ما يجري بأنه "فظائع تُبث مباشرة على الهواء"، تُظهر فجوة غير مسبوقة بين الشعوب وحكوماتها.
وقالت "الالتزامات القانونية واضحة: على الدول أن تمنع المزيد من الأذى، وأن توقف الدعم الممكن، وأن تحاكم الجناة وتضمن التعويض وإعادة الإعمار. من دون ذلك، يصبح القانون الدولي أجوف، ويُترك الفلسطينيون وحدهم في المعاناة".
وتعرضت ألبانيزي، التي تُعد من أبرز المنتقدين لسلوك إسرائيل في غزة خلال الإبادة المستمرة منذ عامين، لحملة إسرائيلية منسقة عقب تقريرها الصادر في 30 يونيو بعنوان "من اقتصاد الاحتلال إلى اقتصاد الإبادة"، والذي اتهم أكثر من 60 شركة متعددة الجنسيات بالتواطؤ في الجرائم ضد الفلسطينيين من خلال تزويد إسرائيل بالمعدات والخدمات المستخدمة في تدمير غزة، وتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية.
وختم التقرير بدعوة الدول الثلاثة إلى التحرك القانوني والأخلاقي ذاته ضد أي دولة تمارس العنف الاستيطاني والفصل العنصري، مشيرًا إلى أن فشل المجتمع الدولي في محاسبة إسرائيل رغم أوامر المحاكم الدولية الصريحة، يكشف ازدواجية المعايير الصارخة في النظام العالمي.
اقرأ/ي أيضًا



















