برقم غير واقعي: رياض جراد يزعم أن ديون تونس بين 2011 و2021 بلغت 115 ألف مليار
صرح رياض جراد، المعلق في برنامج رونديفو 9 على قناة التاسعة، بتاريخ 28 أكتوبر/تشرين الأول 2025، بأن الحكومات المتعاقبة في تونس بين 2011 و2021 ورّطت البلاد في ديون قدرها 115 ألف مليار دينار.

لكن بالبحث، وجد "مسبار" أنّ الرقم المذكور لا يمت بصلة للواقع الاقتصادي التونسي، ولا يتطابق مع البيانات الرسمية المنشورة حول حجم المديونية خلال الفترة التي ذكرها.
وتشير المعطيات الرسمية إلى أن إجمالي الدين العمومي (داخليًا وخارجيًّا) مع نهاية عام 2021، كان في حدود 104 مليار دينار وليس مئات الآلاف من المليارات.
بيانات الدين العمومي التونسي للفترة ما بين 2011 و2021
الدين العمومي للبلدان هو رقم تراكمي يعبر عن مجموع الديون المستحقة على الدولة في وقت معين، ويشمل كلًا من الدين الداخلي والدين الخارجي.
وقال الخبير الاقتصادي رضا شكندالي لمسبار، إن هذا الرقم يُحسب بشكل تراكمي مع مرور الزمن ويزيد أو ينقص حسب عمليات الاقتراض أو السداد التي تقوم بها الدولة.
وفي تقارير وزارة المالية التونسية يظهر الدين العمومي بشكل تراكمي سنوي، حيث يتغير حجم الدين من سنة إلى أخرى بناءً على الاقتراض الجديد والسداد الذي تم خلال السنة.

بالعودة إلى بيانات وزارة المالية وتقارير دائرة المحاسبات، بلغ حجم الدين العمومي لتونس سنة 2011 نحو 28.7 مليار دينار، ليرتفع في سنة 2021 إلى حوالي 104.1 مليار دينار.
ويعني ذلك أن الدين العمومي تضاعف بأكثر من 3.6 مرات خلال عشر سنوات، أي بزيادة تقدّر بنحو 75.4 مليار دينار.
غير أنّ هذا الرقم يبقى بعيدًا عن المعطى الذي أشار إليه رياض جراد، والمتمثل في 115 ألف مليار دينار، وهو رقم لا تؤكده أي من الوثائق الرسمية الصادرة عن الهياكل المالية أو الرقابية في تونس.
وبحسب رضا شكندالي، يعكس هذا الارتفاع اللافت في الدين العمومي لتلك الفترة، نسقًا تصاعديًّا في الاقتراض العمومي، ارتبط بتنامي العجز في الميزانية وتزايد نفقات الدعم والأجور.
ويُظهر تحليل النمو الاقتصادي خلال الفترة نفسها أن الناتج المحلي قد تراجع بنسبة ‑2% سنة 2011، قبل أن يتحسن تدريجيًا ليصل إلى 4.7% سنة 2021، وفق بيانات البنك الدولي.
الدين العمومي التونسي للفترة ما بين 2021 و2025
وفقًا لوزارة المالية في تقريرها المخصص للنتائج الوقتية لتنفيذ ميزانية الدولة إلى نهاية مارس/آذار 2025، بلغ قائم الدين العمومي حوالي 147.4 مليار دينار خلال الفترة من 2021 إلى 2025، أي بزيادة تقدر بنحو 43.1 مليار دينار.
وبالمقارنة مع الفترة السابقة أي بين سنتي 2011‑2021، التي شهدت ارتفاع الدين من 28.7 مليار دينار إلى 104.1 مليار دينار، يظهر أن وتيرة الاقتراض العمومي استمرت في الارتفاع، رغم الترويج الحكومي لاختلاف السياسات الاقتصادية بين الفترتين.

وبحسب هذا المعطى فإن الاقتصاد لم يتعافَ بالقدر المتوقع في ظل ما يعرف بسياسة "التعويل على الذات" وتقليص الاقتراض الخارجي، حيث اضطرت الدولة إلى تمويل عجز الميزانية عبر الاستدانة الداخلية، ما يعكس استمرار الضغوط على المالية العمومية ونمو الدين حتى مع التوجه نحو الحد من الديون الخارجية.
وتظهر البيانات المالية الرسمية أن الدين الداخلي لتونس شهد تضاعفًا تقريبيًّا بين عامي 2021 و2025، حيث ارتفع من 41.2 مليار دينار إلى نحو 86 مليار دينار، ما رفع حصته من إجمالي الدين العام من 39.6% إلى 58.3%.
ويعكس هذا التحول اعتماد الدولة المتزايد على التمويل الداخلي لتغطية عجز الميزانية.
في المقابل، سجل الدين الخارجي تراجعًا طفيفًا، إذ انتقل من 62.9 مليار دينار في 2021 إلى 61.4 مليار دينار في 2025، فيما انخفضت نسبته من 60.4% إلى 41.7%.
بشكل عام، تُبرز هذه الأرقام إعادة موازنة الدين العام نحو الداخل، لكنها في الوقت نفسه تسلط الضوء على الضغوط المالية المتزايدة على الدولة بسبب استمرار ارتفاع الدين العام، خاصة الداخلي.
حجم القروض والهبات التي حصلت عليها تونس بين 2011 و2021
وإذا افتُرض أنّ المعلق رياض جراد، جمع القروض الخارجية والهبات التي حصلت عليها البلاد بعد ثورة بين سنتي 2011 و2021، فإن الرقم الذي قدمه لا يتوافق مع البيانات الرسمية.
وفق تقرير الجرد الذي أعدته وزارة المالية، بطلب من رئيس الجمهورية قيس سعيّد، حصلت الدولة التونسية والمؤسسات العمومية منذ 2011 وحتى 2021 على 325 قرضًا، بقيمة جملية تبلغ 113.3 مليار دينار، وهو ما أكده رئيس اللجنة المالية بالبرلمان لمسبار، عصام شوشان، وأكده أيضًا موقع المفكرة القانونية الذي اطلع على التقرير.
وبحسب المفكرة، حصلت تونس على 113 هبة مباشرة للدولة بقيمة 1.3 مليار دينار و99 هبة للمؤسسات العمومية خلال نفس الفترة. كما أشارت إلى قائمة لدى البنك المركزي التونسي، تشمل 372 حسابًا خاصًا مفتوحًا لديه بعنوان الهبات، منها 30 هبة مخصصة لدعم الميزانية، بقيمة جمليّة ناهزت 3.2 مليار دينار.
ورغم تنوع مصادر التمويل والاقتراض، فإنّ جميعها، لا يصل إلى المبلغ الذي صرح به جراد.
تطوّر الناتج المحلي الإجمالي في تونس: نمو ضعيف رغم تضاعف الدين
لفهم ديناميكية المديونية التونسية، لا بدّ من وضعها في إطارها الاقتصادي العام، أي تطور الناتج المحلي الإجمالي (GDP) الذي يُقاس عادة بالدولار الأمريكي أو بالدينار التونسي الثابت، ويُستخدم كمؤشر على حجم الاقتصاد الوطني.
ووفق بيانات البنك الدولي، بلغ الناتج المحلي الإجمالي لتونس سنة 2011 حوالي 47.12 مليار دولار (حوالي 147.9 مليار دينار)، ثم سجّل 47.04 مليار دولار (حوالي 147.7 مليار دينار) سنة 2021، أي أنه لم يشهد أي نمو فعلي تقريبًا خلال عقد كامل، بل عرف تقلّبات متكرّرة نتيجة الأزمات السياسية والاجتماعية، وتراجع الاستثمار، وتأثيرات جائحة كوفيد-19.

وبحسب التقديرات الأخيرة لصندوق النقد الدولي، يبلغ الناتج المحلي الإجمالي في سنة 2025 حوالي 59 مليار دولار (177 مليار دينار)، لكن هذه الزيادة مقارنة بالسنوات السابقة محدودة بالنظر إلى تضاعف الدين العمومي خلال نفس الفترة تقريبًا (من 104 مليار دينار في 2021 إلى نحو 147 مليار دينار في مارس 2025).
اقرأ/ي أيضًا
بين شعار سعيّد ومشروع ميزانية 2026: التعويل على الذات في ضوء الأرقام الرسمية
هل يمكن أن يستعيد بحر قابس عافيته بعد سنة من وقف سكب الفوسفوجيبس؟























